من وحي زيارة دار المسنين.
بقلم التلميذة: آية هشيمي
انطلقت الرحلة بعد منتصف النهار، كل منا مندس في تفكيره، مخيلاتنا ترسم ملامح افتراضية عن هذا المكان، كان الفضول يتملكنا ، وكل منا يحاول صياغة طريقة ليسعد بها تلك الأرواح النقية، كان مسار الرحلة ممتليء بضوضاء كان في أعماق أذهاننا، حوالي عشرين تلميذا و تلميذة ينتظرون لقاء هذه الأرواح النقية، نقية كقطرات الندى تلمس أرواحنا فتزرع في نفوسنا الراحة مهما كانت خواطرنا منكسرة، كما أن المدير والأساتذة أيضا كانوا في غاية التأثر كانوا مستعدين للاستجابة لأي طلب وهذا يعبر عن مدى طيبة قلوبهم، تدقيقهم في أصغر التفاصيل يعبرعن مدى اهتمامهم بمشاعرهذه الأرواح النقية. حملنا حوالي خمسين كيس يحتوي بعض المواد الغذائية الخاصة بوجبة فطور متكاملة، وبعض الحاجيات الأخرى الأساسية عبارة عن مواد النظافة وملابس داخلية، في بداية الأمرعند وصولنا قمنا بنقل أمتعتنا، و دخلنا نحمل يافطة تحمل شعارنا: “لست وحدك نحن أسرة”. و التقطنا بعض الصور لتوثيق الحدث، وها هي المسؤولة تروي لنا عن تجربتها في العمل الجمعوي ذي الطابع الاجتماعي والإنساني وعن قصة إحداث هذه المؤسسة بكل عفوية ، كان كلامها مؤثرا جدا، كنت أود طرح العديد من التساؤلات، إلا أن الخجل منعني ، رأيت جانبا آخر لمدير ثانويثنا مختلف كليا، خال من الصرامة، مليء بالعطف و الحنان. وها هو با البهجة يروي لنا عن حياته و تجاربه لم أر قط شخصا بإيجابية مثل هذا الرجل، فروحه مليئة بالطاقة رغم كبر سنه، كما أنه عرفنا على قططه، لكنني شعرت أن ذلك العطف و الحنان الذي افتقده من عائلته وذويه، أمسى يمنحه لهذه الكائنات، لقد كان با البهجة مثيرا للإهتمام بعفويته وأسلوب تعامله، فأصبحنا كلنا أصدقاءه و أبناءه، وجاء الدور للتعرف على مي الوافية كلامها وطريقة تعاملها تعكس طيبتها ونقاء قلبها إضافة إلى كونها فخورة وواثقة من نفسها وهذا ما أثارني بعد مرور ساعات من الحديث.
أخذتنا رئيسة الجمعية في جولة كي نتعرف على مرافق المؤسسة، غرف النوم، المطعم، المطبخ، المرافق الصحية، الحديقة …. كنت سعيدة لأن الفضاء كان حقا رائعا و مناسبا.
قمنا بأخد صور بجوار الأسوار المزينة بالجداريات، فقد كانت اللوحات مثيرة للانتباه تعكس لمسات إبداع فنان يجعلك تستطيع السفر فيها ، حسب ما روى لي با البهجة فالرسام قام بتطبيق فكرة اقترحها عليه.
ها قد حان وقت توزيع الأكياس من طرفنا نحن التلاميذ على مستحقيها، لقد توجهت مباشرة نحو امرأة كانت نظراتها في غاية الغرابة، لم أستطع فهم ما يجوب في خاطرها، قمت بتقديمه لها، والكلمات تتلعثم في فمي، فهي لم تكلمني، فقد اكتفت بالإبتسامة و هذا الأمر جعلني متوترة من شدة التأثر، لم أستطع مقاومة عجزي وضعفي عند رؤيتي لها تبكي اشتياقا لأبنائها فأخذت دموعي تنهمر على وجنتاي دون توقف. لم أرد أن أشعرها بالحزن لكنني وبدون قصد فتحت جرحا لم يعالج بعد، شعرت نوعا ما بالضياع، لم أر نفسي قط أحاول رسم ابتسامة على محيى أو التخفيف عن شخص، أتظاهر دائما بالهدوء، لكنني اليوم وجدت مكانا حيث ارتاحت روحي وتحركت عاطفتي و نبض قلبي له، لقد ذهبنا بهدف إسعادهم ، إلا انني الآن و بدون سبب رسمت ابتسامة على محياي سببها مواقف و طرائف قام بها أحد هذه الأرواح النقية، ولسبب من الأسباب شعرت بالعجز، فهناك من لم أسمع كلمة منه حتى عند سؤالي له، يجيب بنوع من البرود، لقد قرأت الوحدة والحزن في بؤبؤ أعينهم، اكتفيت بالنظر والابتسام في وجههم ، لقد حاولت أن أتحدث مع الجميع كي لا يشعرأحدهم بالانحياز أو شيء من هذا القبيل وهذا ما قام به أصدقائي و أساتذتنا أيضا.
لقد أسعدتنا دعواتهم لنا التي لم تفارق شفاههم، مرالوقت بسرعة ونادى الرحيل بالفراق، كان من الصعب علينا توديعهم، رغم أننا استودعناهم قلوبا رحيمة وأياد أمينة.
دقت الساعة الخامسة والنصف مساء، ها نحن أخذنا مقاعدنا في الحافلة لنسلك طريقة العودة وقلوبنا تحمل كل آلام هؤلاء المساكين، وعقولنا تعيد شريط الأحداث بكل تفاصيله، نوع من الضياع يتملكنا لكننا كنا سعداء و ممتنين وفخورين بثانويتنا بكل مكوناتها إدارة و أساتذة و تلامذة.