سويكن إبراهيم
من أصدق البوح ذكر ما يجده المرء من صعوبة في شرف حضور عرض يحمل توقيع المخرج والأستاذ الفاضل “أمين نسور” دون أن يجد الضيف القرير العين أمام تجربة فرجوية محبوكة ما يرد البصر ويملأ الوجدان فرحة وحبورًا، فلطالما وجدت في إنتاجه تلك التيمة التي تحتفي بالموروث وتحاوره، وتُعانق التراث وتغازله بلغة معاصرة جريئة متجاسرة في أدب جم.، ولعل بل الأكيد أن هذا ما ألفيته وخبرت وقعه ذوقا وملمسا في عرض “الحراز”، الذي أبدع في تقديمه طلبة السنة الرابعة من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي(ISADAC).
نعم أستاذي الفاضل لقد كان العرض احتفاليًا في طقس بهيجٍ، تجاوز فيه ملمح الاحتفال موضوع الشكل، ليستوعب حاذي الأرواح ووجدان الأفراح، وقد تم هذا الاستيعاب وحصل أزه وركزه اللطيف منذ اللحظة الأولى، حيث تشاكلت أنفاس الممثلين بلحن هتاف الجمهور وتصدية أكفه المتفاعلة، لقد بدا هذا التناسق والتشاكل حيًّا جليا واضحا ما فتئ طيلة العرض يمتح من روح الحلقة والفرجة الشعبية، والتي رأيتها بعين الفنان أنّها قُدِّمت برؤية أكاديمية دقيقة، شكّلت دقتها تحديا بلغ فيه وأمامه الطلبة نصاب القبول والتفوّق والنجاح.
وكم هو جميل أن يستشعر الحاضر طيف الأستاذ والأب الروحي للنص وأعني به المرحوم “الطيب الصديقي”،
لقد كان ملحظ حضوره قويا تتحسّس روحه الفنية في الحبكة وأنفاس المسرح المغربي الأصيل، وما أجمل الاعتراف في سياق هذا البوح والإقرار بكون العرض لم يكن تكرارًا أو نسخة طبق الأصل عن العمل الأول، بل جاء في ثوب من البدعة الفنية وكأنك أمام عملين لا تربط بينهما علاقة تحاك أو مماثلة، إذ جاءت الكتابة بلغة مسرحية معاصرة، تعكس وعيًا بالغا مقصوده منتميا لموروثه، تكتسي طابعه جرأة فريدة في تطويع مادته الخام في أفق خدمة قضايا اليوم وهموم الجيل الجديد.
ووفق الدُربة والمعهود، وجدنا الأستاذ الفاضل أمين نسور قد اشتغل بدقة على تفاصيل الركح: من الفضاء إلى الإضاءة، ومن الإيقاع الجماعي إلى التوظيف الذكي للجسد والموسيقى، حيث وظّف كل عنصر من أجل هدف جمالي وسردي واضح، ولعل المقتفي لتلك الآثار الفنية بعين الافتحاص والتدقيق لا يكاد يظفر بوجود أي فراغات، إذ كل لحظة وُلدت مشحونة بالمعنى، وكل مشهد استهل ناطقا بدينامية فكرية وفنية عالية.
لقد أبان الطلبة عن نضج فني حقيقي، وقدموا أداءً جماعيًا مميّزًا، حيث رأينا طيلة التشخيص كيف كان كل ممثل يعرف موقعه في المنظومة العامة للعرض، وكأنهم جسد واحد ينبض بإيقاع الخشبة، وإنما كان هذا وغيره كنتيجة مباشرة لأثر التكوين الأكاديمي الجاد، إلى جانب تلك البصمة التربوية التي رسمها المخرج داخل ورشة الاشتغال.
ونخلص لنقول خاتمين فحوى هذا البوح الصادق أن مسرحية “الحراز” لم تكن مجرد عرض مسرحي، بل كانت احتفالًا بالفرجة، بالتكوين، وبأمل مشهد مسرحي مغربي شاب ينبض بالحياة والطموح، وتتجلى على محياه كل مئنات الجمال والذوق الرفيع الذي يسمو بالروح ويرتفع بترابية الجسد إلى ثريا السماء.
شكرًا لإدارة المعهد ISADAC، وعلى رأس هذه الإدارة طبعا الدكتورة لطيفة أحرار.
شكرًا للمخرج القدير الدكتور أمين نسور، ولكل الأساتذة الذين ساهموا في بناء هذا العرض الاحترافي.
شكرًا لطلبة المعهد – السنة الرابعة – فقد أبدعتم، وأمتعتم، وأقنعتم وهرولتم بنا في مسعى الرقي بالذوق والتوق لكل جميل يرفع عنا حرج تكاليف الحياة في سياق دأبها المستمر وجثوم الخوف من غدها الملفوف في ثوب الغيب ومستشرف الأقدار… شكرا لكم جميعا وأشتاتا أيها الأطايب الأكارم الأجاود…
بقلم : ابراهيم سويكن
تدقيق : محمد بوقنطار