الرئيسية كتاب الرأي الحب النبوي … البواعث والوسائل

الحب النبوي … البواعث والوسائل

كتبه كتب في 12 يناير 2014 - 11:40 ص
مشاركة
AisPanel

 

مقدمة :

باسم الله الرحمن الرحيم

الحمـد لله الـذي أرسـل رسولـه بالهـدى ودين الحقِّ ليظهره على الدّين كلِّه، فجعله شاهدا ومبشِّرا ونذيرا، وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، وجعل فيه الأسوة الحسنة لمن كان يرجو اللهَ واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.

وبعد، فإنَّ نِعم المولى تبارك وتعالى لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأعظمُها على الثَّقلين أن بعث فيهم حبيبَه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأنقذهم من الضلالة إلى الهدى، فأحيا به قلوبا غُلفا وفتح أعينا عميا وأسمع آذانا صماًّ.

نعمةٌ بها امتنَّ ونوَّه جلَّ وعلا بقوله: ﴿ لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ 1.

وإن من علامات صدق العبد في طلب وجه مولاه جلَّ وعلا محبّةُ حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهي أصل عظيم من أصول الإيمان وتذوُّقه، ومعراج إلى محبَّة الحَنَّان المنَّان عز وجل وقُربه، وكلما فاق حبُّه صلى الله عليه وسلم في القلب حبَّ الأم والأب والزوجة والبنين والعشيرة، يسبقُ ذلك ويصحبُه ويليه المتابعةُ الخالصة لمنهاجه صلى الله عليه وسلم ظاهرا، كلما كان العبد لجنة الله تعالى أهلا ولمحبته ومغفرته مستحِقا مصداقا لقوله سبحانه: ﴿ قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم﴾ 2.

دواعي محبته:

– لأن الله يحبُّه :

نحبُّ حبيبنا صلى الله عليه وسلم لمحبَّة الله تعالى له، ونعظِّمه لتعظيم الله عز وجل له، ونُجلُّه لإجلال الله سبحانه له، ومن تمام حبِّ الحبيب حبُّ حبيبِ الحبيب.

– لعظيم قدره:

فلقد اصطفى الله عزَّ وجل من خَلقِه الأنبياءَ والرسلَ عليهم الصلاة والسلام، واصطفى من أنبيائه ورسله أولي العزم الخمسة، نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله عليهم جميعا، واصطفى من أولي العزم الخليلين الحبيبين إبراهيم ومحمداً، واصطفى سيدنا محمداً على جميع خلقه صلى الله عليه وسلم.

– لما وصلنا من خير على يديه:

أجل ، فإنَّ مما جُبِلَت عليه القلوبُ حبُّ من أحسن إليها ولو كان إحسانا جزئيا محدودا، فكيف بإحسان حبيبِنا صلى الله عليه وسلم الكاملِ الشَّامل الخالد الدائم، حيث أنقذنا الله عز وجل به من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، وأغاثنا من جَورِ الأديان إلى عدل الإسلام، وأخرجنا من ضَيق الدنيا إلى سَعة الدنيا والآخرة، ومن ثَمَّ فلا إحسان بعد إحسـان الله تعالى يعـادلُ إحسانـه، ولا فضل يقارب فضله وإنعامه صلى الله عليه وسلم.

– عسى أن نُحشر معه:

إنَّ محبَّة سيِّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم لَتَرفعُ صاحبها لأعلى الجِنان ولو قَصَّر في صالح الأعمال. بشَّر كلَّ محبٍّ له إلى آخر الزَّمان فقال فيما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله عنه:”أنت مع من أحببت”.

خارطة الطريق إلى حبه:

– بكثرة الصلاة عليه:

إنَّ مِمَّا تقضي به العادةُ ويشهَد له الواقعُ أنَّ من أحبَّ شيئا أكثر من ذكره ،وحيثُ كانت محبّةُ خير البرية صلى الله عليه وسلم بمنزلةٍ من الدين عالية وجب الثناءُ عليه بما هو أهلُه، وأبلغُ من ذلك ما أثنى عليه ربُّه عزَّ وجلَّ ألا وهو الصلاة والسلام.

– بمدارسة سيرته:

إنَّ دراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومدارسة سُنَّته الكاملة والاهتمام بتفاصيل حياته ووصاياه لأمته لمن علامات محبَّته ولازِمة من لوازِم اتِّباعهِ في جليل الأمر وهيِّنه.

وكلَّما ازددنا معرفة بأحواله صلى الله عليه وسلم وشمائِله كلَّما ازددنا محبة وتخلُّقا على هُدى وبصيرة.

– بمحبة أزواجه وصَحبه وآل بيته:

نحبُّ أزواجه صلى الله عليه وسلم لعلوِّ مكانتهن وسُموِّ قدرهن وفضلهن على الأمة حيث رفع الله مقامهن وبوَّأهن أعلى منزلة عند جميع المؤمنين ألا وهي منزلة الأمومة، فجعلهن أمهاتِنا في التحريم والاحترام والحرمة والإكرام فقال جل ثناؤه: ﴿ النبي أولى بالمومنين من أنفسهم، وأزواجُه أمهاتهم﴾ 3. بل لقد ميَّزهن سبحانه عن نساء العالمين كلِّهن فقال تقدَّست أسماؤه: ﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتَّقيتن﴾ 4 .

ونحبُّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا أثنى به اللهُ عز وجل عليهم في محكم التنزيل :﴿ والسَّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار﴾ 5
نحبُّهم وقد اختارهم الله لصحبة نبيِّه وشرَّفهم بحمل رسالته من بعده والدعوة إلى سبيله ونصرة دينه.

وبـآل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم أوصى ربُّنا جلّ وعلا فقال: ﴿ قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى﴾ 6.

– باتِّباع سنته:

إن الشغف بتقليد سيد العباد وتمثل سيرته واتِّباعه أمرا ونهيا في صغير الأمر وكبيره لمن أدقِّ علامات أهل الله تعالى الراجين لقائه والمكثرين من ذكره ، وكلما عظُم الحب زادت درجة الطاعة والانقياد.

– بالتعلُّق بأخلاقه:

كيف لا وقد حَباه الله عز وجـل بعظيم الشمائل وكريم الخصال ونبيل الصفات وحلو السجايا وجميل الفِعال، رفقا وحلما وتواضعا وحياء وصبرا وجودا وكرما وشجاعة وعدلا وصدقا ووفاء. تَّمت فضائله وكملت محاسنه فكان بحقٍّ رسولَ الأخلاق، إلى الإنسانية جمعاء، بل إلى كل كائن في هذا الوجود. أخبر بذلك المولى جل وعلا فقال: ﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ 7.

– بزيارة مدينته :

بزيارتها تستشعر القرب من حبيبك صلى الله عليه وسلم فتنفجر من القلب أحاسيس المحبة والشوق والحنين إلى لقياه والأنس برفقته في جنة الرضوان، خاصة حين تكون في حضرة روضته الشريفة.

– بصحبة أحبابه:

إن الخير في أمَّته صلى الله عليه وسلم لا ينقطع له خبرٌ ولا ينمحي له بإذن الله أثر، ولئِن حَظِيَ الصَّحبُ الكرام بتلقِّي الأنوار منه بالقرب والملازمة والصحبة والمعية، فإنه في الوقت نفسه أخبر أن له إخوانا في آخر الزمان ، لم يحصل لهم شرف رؤيته ومجالسته نعم، لكن أعينهم لا تقرُّ إلا بالنظر إلى محيَّاه. روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم سألهم قائلا: “متى ألقى إخوانـي؟ قالوا: يا رسول الله،ألسنـا إخوانـك؟قــال: أنتـم أصـحابـــي، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني”.فإذا ظفرت أخي أختي بمن يُنهضك حالُه ويدلُّك على الله مقالُه فالزَم غَرزَه، أمرَه ونهيَه، ما أطاع اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم8 . وليست الصحبة والملازمة تعني العزلةَ بشتى أنواعها الشعورية والفكرية والاجتماعية، فقد تفوتك فرصة إسداء الخير الذي اكتسبته من صحبتك إلى غيرك، كما قد يفوِّت الانغلاقُ على الذات في الوقت نفسه فرصةَ تصحيح الأخطاء الواقعة أو المتوقَّعة، والأصلُ توسيع دائرة التواصل والتلاقح التماسا للحكمة بصرف النظر عن الوعاء الذي منه خرجت .

مقتطف من كتاب ” أريج الطيب في صحبة الحبيب ” للأستاذ حسن رقيق ، بتصرف

الهوامش:

1- سورة آل عمران، الآية 164

2- سورة آل عمران، الآية 31

3- سورة الأحزاب، الآية 6

4 – سورة الأحزاب، الآية 32

5- سورة التوبة، الآية 100

6 – سورة الشورى، الآية 21

7- سورة الأنبياء، الآية 107

8- يقال : الزم غرز فلان واشدد يديك بغرزه : تمسَّك به، والغرز ركاب الرَّحل من جلد مخروز يعتمد عليه في الركوب.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الجريدة الإلكترونية تيفلت بريس Tifeltpress.com المؤسسة الصحفية: TIF PRESS شهادة إيداع مسلمة من النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالخميسات تحت رقم 01/2018 طبقا لقانون الصحافة والنشر 88.13 tifeltpress@gmali.com الشركة المستضيفة : heberfacile